Friday, September 2, 2011

نعرمر

No comments :

بسم الله الرحمن الرحيم


" نعـرمـر"

مِن

يعترى مسألة رأس الأسرة الأولى ومؤسِّسها بعض الخلاف بين المتخصصين من الباحثين في تلك الفترة الزمنية من تاريخ مصر. وكانت الإشكالية قديماً من هو الملك "مِـن"(مينا)، وهل هو الملك "العقرب" (الثانى)، أم الملك "نعرمر"، أم الملك "حور عحا".

وكان بعض المتخصصين قد وَحَّدواالملك "مينا" مع الملك التاريخى "عحا"؛ ولكن حتى زمن قريب - وقبل اكتشافات "أبيدوس" بالآونة الأخيرة- تم توحِيد "مينا" مع الملك التاريخى "نعـرمـر"؛ وقد رجحوا ذلك في ضوء بعض الاكتشافات الحديثة"
إلا أنه - من خلال طبعة ختم طينى من مقبرة بسقارة تعود إلى عهد الملك "قاعَ"، آخر ملوك الأسرة الأولى - تأكَّد حديثاً أن الملك "مِـن" (مينا) هو ذاته الملك "نعر-مر"، بل أنه مؤسس ورأس الأسرة الأولى؛ ثم خلفه في الحكم على الترتيب الملوك: (حور-عحا، وﭽـر، وﭽـت، ودن، ومريت- نيت، وعـﭻ-إب، وسمر-خت، وقاعَ). وكان ذلك في سياق تكرار أسماء هؤلاء الملوك مرتين، تارةً في سجل علوى يبدأ باسم الملك "نعرمر"، وينتهى باسم الملك "قاعَ"؛ وتارة أخرى باسم الملك "مِـن"، وينتهى باسم الملك "قاعَ".
كما يؤكد المصدرَسالف الذكر أثرٌ آخر، ألا وهو طبعة ختم من مقبرة الملك "دن" بأبيدوس (أم الجعاب)، عليه أسماء ملوك الأسرة الأولى على الترتيب: (نعـر- مـر، حور-عحـا، ﭽـر، ﭽـت، دن، ثم "مريت- نيت")، أم الملك حور عحا".
وحتى وقت قريب لم يكن معروفاً ما إذا كان اختيار "منف" كعاصمة للأسرة الأولى قد تم في عهد الملك "نعرمر"، أم أن الأمر قد جرى في عهدٍ لاحق. وقد اعتقد البعض أنه تم في عهد الملك "عحا" أو (حور-عحا) - تبعاً لافتراض "دراير" ومن تبعه في رأيه - بأن هذا الملك الأخير هو مؤسس الأسرة الأولى.
والمعروف أن الرحالة الإغريقى "هيرودوت" قد نسب إلى الملك "مينا" (نعرمر) أمراً بإقامة العاصمة التى عُرفت باسم "إنب-حـﭻ"، أى: (الجدار الأبيض)، إشارة إلى أن سورها كان مبنياً بالطوب اللبن ثم لُوِّن باللون الأبيض؛ أو أنه كان مشيداً بالحجر الجيري الأبيض. وهذه المدينة هى التى عُرفت فيما بعد باسم "من- نفر" (ثابت وجميل)، والتى حُوِّرت إلى "منف"، ثم: "ميت- رهنت" التى حُوِّرت إلى "ميت رهينة"، وهو الاسم الحالى للقرية التى تقوم على أطلال هذه المدينة.
وتبعاً لما أثبتته المصادر المصرية التى أشرنا إليها بأن الملك "نعرمر" هو ذاته الملك "مِـن" (مينا)، وأنه رأس ومؤسس الأسرة الأولى؛فإنه يكون هو أيضاً نفس الملك الذى أسس العاصمة "إنـب- حـﭻ"، والتى اختار لها موقعاً متوسطاً بين شمال البلاد وجنوبها.
أما عن الملك "نعرمر" ذاته، والذى يُعرف أيضاً باسم "منى" (مينا) كما ورد في الآثار المصرية من عصر الدولة الحديثة، فهو الملك الذى خَطَت البلاد في عهده خطوات واسعة نحو الوحدة وتأسيس الأسرة الأولى؛ لذا فمن المهم أن نلقى مزيداً من الضوء على آثاره، سواء ما كُشف منها قديماً، أوما كُشف حديثاً، خاصة في مواقع الدلتا؛ مما يؤكد ما ذكرناه من انتشار ثقافة الصعيد في كافة أنحاء البلاد.
آثـار "نعرمـر" في مواقع بالدلتا ومصر الوسطى

منشأة أبو عمـر: فقد عثر على إناء يحمل اسمه، وقد ظهرت علامة (نعر) في شكل شرطة أفقية.

تـل ابراهيم عـوّاد: عثر أيضاً على كسرة إناء عليها اسم "نعرمر". الملك "منى" (مينا) ضمن جزء من موكب الكهنة الحاملين لأسماء وتماثيل ملوك الوحدة وأسلاف الملك "رعمسيس الثانى" من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (F.2c) في موكب عيد المعبود "مين" بالواجهة الداخلية الشماليةالشرقية (F.2) للصالة الثانية (F) من معبد "الرامسيوم".

الملك "منى" (مينا) ضمن جزء من موكب الكهنة الحاملين لأسماء وتماثيل ملوك الوحدة وأسلاف الملك "رعمسيس الثانى" من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (F.2c) فى موكب عيد المعبود "مين" بالواجهة الداخلية الشماليةالشرقية (F.2) للصالة الثانية (F) من معبد "الرامسيوم".

كفـر حسـن داود: عثر على إناء يحتمل قراءة اسم "نعرمر" عليه، ولكن لم يعثر على شواهد أخرى تعززه.

وفى حلـوان وطـره: عثر في مقبرة (1 H, 40 H) على قطعة من الفيانس المزجَّج تمثل "سرخ" (واجهة القصر الملكى) في رديم المقبرتين، وعليها العلامتان المكونتان لاسمه، وهما: "نعر" (سمكة القرموط)، و"مـر" (الأزميل). وكذلك عثر على اسمه في موقع "طُره" القريب من "حلوان"
ومن زاويـة العريـان:عثر على كسرة إناء عليها علامة سمكة القرموط "نعـر"
وفى طرخـان: عثر على إناءين لسوائل من "طرخان"، عليهما اسم الملك كاملاً
عثر على إناء في مقبرة (1100)، يؤرخه "فان دن برنك" بعهد "نقادة" (III b1)، نقش عليه علامة "نعر" فقط من اسمه.
وعثر أيضاً على ختم مُطعَّم بالمقبرة رقم (414)، مسجّل عليه اسمه.
وكذا عثر في مقبرة رقم (412)، ومقبرة رقم (415) على أوانى سوائل تحمل اسمه وايضًا أختام الملك "نعرمر" من مقبرة رقم (414) بطرخان

أختام الملك "نعرمر" من مقبرة رقم (414) بطرخان
آثار"نعرمر"في"أبيدوس"
من الجبانة (B) في "أبيدوس"، عثر على أوانى سوائل من الألباستر تحمل اسم الملك "نعرمر"

عثر على كسرات من أوانى من نفس الجبانة B)) تحمل اسمه.

من الجبانة (U) عثر على كسرات أوانى من الألباستر عليها اسمه.

من المقبرة رقم (18) بالجبانة (B)، عثر على بطاقة عاجية سُجِّل اسمه ضمن نقوشها. إعادة تركيب لنص على طبعة ختم طينية من الجبانة الملكية بأبيدوس

إعادة تركيب لنص على طبعة ختم طينية من الجبانة الملكية بأبيدوس
به أسماء حكام الأسرة الأولى من "نعرمر" إلى "دن" بترتيبهم التاريخى (حوالى 3000 ق.م).

بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك "نعرمر" من الجبانة الملكية بأبيدوس

بطاقات من العاج تحتوى اسم "نعرمر" من الجبانة الملكية بأبيدوس

بعض آثار الملك "نعرمر" و "حور عحا" من الأبنوس والعاج من مقبرة الملكين بأبيدوس

آثـار "نعرمـر" من "هيراكونـﭙوليس

ظهرت أهمية "هيراكنبوليس" منذ زمن طويل، وذلك منذ أيام "كويبل" و"جرين" اللذين قاما بالحفر في المنطقة في سنوات 1897-1899م؛ حيث استخرجا حشداً من الأدلة المتصلة بعصر التوحيد، وكان من أهمها آثار الملك "نعرمر"، ويأتى على رأسها (صِلاية "نعرمر") الشهيرة، والمحفوظة حالياً بالمتحف المصرى بالقاهرة.

صلاية الملك "نعرمر"

جعل الكثير من العلماء من صلاية "نعرمر" الشهيرة شاهداً على المرحلة الثانية من عهد الملك، وهى المرحلة التى استمتع فيها بنتائج جهوده وجهود أسلافه بعد أن حقق وحدة البلاد الكاملة تحت حكمه، وسجل عليها آخر مراحل كفاحه ونتائجها.

صِلاية "نعرمر"، محفوظة بالمتحف المصرى بالقاهرة - الطابق الأرضى- رواق 43

إلا أنه عند مناقشة عملية التوحيد، يميل بعض الباحثين (من أمثال "فرانشسكو رافائيل"، و"ﭽيفرى سبنسر"، و"والتر ب. إمرى") إلى عدم اعتبار صلاية "نعرمر" هى المصدر الرئيسى الذى يشهد على التوحيد الكامل بين مصر العليا والسفلى؛ بل يميلون أكثر إلى النظر إلى الموضوع المسجّل عليها على أنه حفل تذكارى لنصر عسكرى، أو بالأحرى أنه موضوع شعائرى يهدف إلى تعزيز دور الملك من خلال تصويره في هذا المشهد (وليس بالضرورة أنه سجل في فترة حكم نعرمر)، إن لم يكن رمزاً يشير إلى عقيدة القوة وعبادة الملك.

ويذكر "ﭽيفرى سبنسر" أن اعتبار صلاية "نعرمر" السجلَّ الرئيسى للنصر النهائى الذى حققه "نعرمر" على الشمال - ربما يكون هو التفسير السليم، غير أن الضرورة لا تقتضيه، وخاصة في ضوء تزايد الأدلة على إنجاز التوحيد بطريقة تدريجية استغرقت أكثر من مائتى عام، وهو ما يجعلنا نستبعد فكرة وقوع معركة فردية حاسمة.
كما يذكر "والتر ب. إمرى" أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن "نعرمر" قد أصاب الوجه البحرى بهزائم عسكرية منكرة، وله بحقِّ النصر أن ينتحل لشخصه شعارات الحكم التى كانت لخصمه المهزوم؛ ولكن هذا لا يجعله بالضرورة الحاكم الشرعى للوجه البحرى. وصلاية "نعرمر" من الصلايات الكاملة النادرة، وقد اشتركت نقوش وجهيها في مناظر معينة، واختلفت في مناظر أخرى. فظهر أعلى الجزء العلوى لكل منهما اسم "نعرمر" داخل إطار مستطيل يرمز إلى واجهة قصره، ويسمَّى عادة باسمه المصرى القديم "سرخ". وظهر على جانبى الاسم (على الوجهين) رأسان للمعبودة "حتحور" مثَّلاها بوجه سيدة مليحة بقرنى البقرة وأذنيها. وكانت هذه الحالة من المرات الأولى التى صوّر المصريون فيها ربَّاتِهم بصورة تجمع بين الهيئتين البشرية والحيوانية في وضوح
فعلى الوجه الأول نرى الملك "نعرمر" واقفاً وعلى رأسه تاج الجنوب، ويقبض بإحدى يديه على ناصية عدو له يركع أمامـه، ويمسك باليد الأخرى دبُّوس قتال، مما يرمز إلى انتصاره على حكام الدلتا. وقد أصبح هذا المنظر تقليداً فنياً متبعاً يرمز للنصر منذ مطلع الأسرات المصرية وحتى ختامها.
وبجوار العدو مدونة هيروغليفية تشير إلى" أملاك الخطاف"، والمعروفة اصطلاحاً في النصوص الجغرافية بالإقليم السابع من أقاليم الدلتا. ومن فوقها، فإن الشكل البيضاوى (وهو العلامة الدالة على الأرض)يشير أيضاً إلى الدلتا، وامتداد أحد طرفيه (المواجه للفرعون) يصور رأس العدو المهزوم. وتنبثق من علامة الأرض ست سيقان لنبات البردى، تشكل أَجَمةً يعلوها صقر،يمسك في أحد مخلابيه (وقد تحول إلى يد) حبلاً مثبتاً (بحلقة ؟) في أنف الأسير.
وتحت الخط الدال على الأرضية التى يقف فرعونفوقها، نشاهدشخصين يسبحان. وربما كانت العلامة الغريبة تشير إلى أصولهما، ولكن وضعهما على هذا النحو يؤكد أن الملك المنتصر يدوسهما بقدميه. وأخيراً، وخلف الملك، وعند نفس الخط الدال على الأرضية، يقف حامل نعلى الملك بحجم مصغر ممسكاً بإبريق، ويبدو أنه يمهد لطقوس التطهر.
أما على الوجه الآخر من الصلاية، فقد مُثل الملك بتاج الشمال، وهو يحتفل بانتصاره على سكان الشمال، حيث صور الملك ويتبعه ساقيه وحامل النعال، ويتقدمه كبير أعوانه (لعله الوزير)، ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات، متجهين صوب معبد "حور"، حيث قتلى الأعداء مغلولة أيديهم، وقد سقطت رؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم.
وفى وسط الصلاية حيوانان خرافيان متعانقان، وقد أمسك بمقودهما رجلان رمزاً لقيادة القطرين وقبض زمامهما؛ حيث شكلت الأعناقُ الطويلة المتعانقة بؤرةَ الصلاية. وفى المنظر الأسفل يبدو الملك بهيئة الثور مندفعاً بقوته نحو حصن اقتحم أسواره فحطمها، وسحق من اعترض طريقة في صورة رجل طريح يطأه بأقدامه.
رأس مقمعة "نعرمر"
وتعبر نقوش هذه المقمعة في مضمونها عن استقرار عرش البلاد في عهد "نعرمر". وهى رأس كبيرة من الحجر الجيري وجدت في معبد "نخن"، ظهر الملك عليها وهو يعتلى عرشاً في مظلة عالية أقيمت فوق منصة مرتفعة ذات تسع درجات، ورفع مقدمة سقفها صاريان رشيقان.
وقد توج "نعرمر" في الحفل بالتاج الأحمر تأكيداً على شرعية سيطرته على الدلتا، وأمسك مَذبَّة تقليدية، وارتدى عباءة كاسية شملته من أعلى الرقبة حتى أخمص القدمين، وأصبح خلفاؤه يرتدونها في أعياد يوبيلهم، وفى مناسبات تقليدية تختلف عن المناسبات التى يرتدون فيها النقبة القصيرة.

رأس مقمعة الملك "نعرمر" (حجر جيرى)

وقد ظهر من حوله مجموعة من حَمَلة ألويته، وحَمَلة المراوح الكبيرة، وحملة المحفة، فضلاً عن كاتبه، وحامل نعليه ومطهر قدميه. وقد أشـرف عليه من عَلٍٍ عقابٌ رمزاًللمعبودة "نخبت" التى نشرت جناحيها فوق مظلته وكأنها تحميها؛ وظهر إلى جانبها اسمه داخل "سرخ" اعتلاه الصقر (رمز المعبود "حور") كأنه يحميه. وواجهت "نعرمر" مجموعة أخرى، امتازت منها شخصية كبيرة ارتدت عباءة كاسية، وجلست في محفَّة مسقوفة فوق أريكة فخمة شُكِّلت أرجلها الخشبية على هيئة سيقان الثور؛ وظهر إلى جانبها ثلاثة من خاصة المصريين يخُبُّون خَبًّا خفيفاً، وأيديهم معقودة فوق صدورهم داخل ساحة حُددت نهايتُها بأسوار من اللبن على شكل الأهِلَّة. وظهرت أسفلهم أعداد لآلاف مؤلفة من الثيران (400 ألف)، والماعز (1.422.000)، والآدميين (120 ألفاً)، عبَّر الفنان عنها برموز حسابية بسيطة دلت على معرفة قومه بعلامات مفردة تدلعلى أرقام (الألف، والعشرة آلاف، والمائة ألف، والألف ألف)، وذلك في سهولة نسبية لم تهتد الشعوب القديمة إلى مثلها إلا بعد عشرات القرون. أما عن التفسير العام لمناظر المقمعة، فقد تعددت آراء العلماء، فهناك من رأى أنها تصور في مجموعها حفل زواج "نعرمر" من أميرة من الدلتا جلست أمامه في محفتها؛ بينما هناك من رأى أنها تمثل مرحلة من مراحل احتفال الملك بالعيد الثلاثينى لاعتلائه العرش، وهو العيد المسمى "حب سد" بمعنى: "عيد النهاية"، أى نهاية فترة طويلة يستعيد الملك في ختامها نشاطه، ويؤكد قدرته على مواصلة الحكم بطقوس وحركات معينة يؤديها خلال حفل العيد.

No comments :

Post a Comment